الأحد، 29 يناير 2012

رائحة قديمة




متى أحسست بالدفء؟، سؤال يمر علي الآن برفق، وأنا أرتدي حذاءً قديمًا باليًا، لا أعرف لونه الأصلي "فالألوان لا طعم لها ولا رائحة، ولا تشبه الماء" ذات يوم أخبرتني جدتي.....
 منذ زمن قررت الاكتفاء بالحذاء وطوق قديم منقوش عليه حروف اسمي كاملة، حملت اسمي فوق صدري العاري تماما من صبغة الألوان، فأشرقت روحي بوضوح تحت طوقي وحذائي.
فكان الأسفلت يلتهب بمجرد مروري اللحظي، وروحي مطمئنة تسير بهدوء منتظم في اتجاه المقهي، هناك وجدتها في انتظاري، ورائحة روحها التي تشبه خوخة طازجة تشغل فراغات المكان، صديقتي المبتسمة الجميلة دائما، سألتني بحزن: "لماذا تحب الفتيات الجميلات الوقوف بعمود فقري مستقيم لدرجة تبرز تفاصيل جسدهن في اتجاهين متعاكسين؟!.. ولماذا لا نجيد الوقوف مثلهن؟!" جاوبتها بابتسامة حانية: "لأن الوقوف هكذا يجعل الأفكار تسير في اتجاهين متعاكسين!!".
 بعد قليل تركتها وحدها تقلب سنواتنا في فنجان خلا من رائحة الخوخ، وقررت الخروج برفقة أحدهم  لدفع حسابي، كل خطوة أخطوها للخارج تكسوني بملابس ما، فأرتعد من برودة ووحشة تتسلل إليّ.. تنطفئ روحي، وتتلاشى حروفي تدريجيا ..يختفي الطوق ويبلى الحذاء.


كارمينا بورانا



(غرفة مغلقة بأحكام، تئن بالداخل وتهمس باسمي، أضع أذني وكفي الصغيرتين علي الباب، "ناوليني المفتاح من الأكره يا حبيبتي، احدفيه من تحت عقب الباب" أبكي بشدة لأناتها، أحاول بجهد جهيد أن أصل للمفتاح المعلق بعيدا، فقامتي التي لا تتعدي الأربعة اشبار تثب وثبات عالية ولكن دون جدوي.)

ذكرى قديمة  تمر علي خاطري كغمضة عين باهتة، فذاكرتي مفرغة تماما من أحداث طفولتي البعيدة لا أذكر سوى بعض التفاصيل البسيطة عن فترتي الاعدادية والثانوية، وكأن ثقابا صغيرا تسلل لعقلي وأفرغه من سنواتي الأولي، أندهش حينما يختلس إخوتي غفلة أمي ويتهامسون بتفاصيل صغيرة عنها، يقولون إنها كانت جميلة وتشبهني حد التطابق، فجأة يعلو صوتي وأصرخ عندما ينعتني أخي الأكبر مغيظا "يا شبهها" عندها تنتبه أمي وتنهره بشدة وعيناها تلمع بدمعة تواريها بغضب، أبي لم يغفر أبدا لها ذهابها لإحضار طعام لي، وتركها لها دون رقابة، فقد اوصدت الباب عليها جيدا، ولم تتوقع أبدا أن قامتي الصغيرة ستصل للمفتاح، لا أعرف حتي الآن كيف وصلت إليه، كل ما أعرفه أنني يومها عتقتها وأسرتني إلى الأبد.
كالعادة أخرج في السادسة صباحا، ذهابي اليومي للجريدة لم يكن يكلفني سوى نصف ساعة نظيفة من المشي الصباحي الممتع، الشتاء فصلي المفضل، ويوم الجمعة يوم فتح، فلا ترى مخلوقا في الشارع، أمتلك كل الطرق، غيرعابئة بتحذير أمي الدائم "بلاش تبرطعي و أنت ماشية.. زي الولاد"، أدخل يديّ في جيبي وأبتسم للهواء البارد، ألمح تجمعًا من الكلاب في آخر الشارع، لا أخشى الكلاب التي تسير على أربعة قوائم، أمر غير عابئة.
كالعادة لا أجد سوى زميلي المناوب ليلا، أستلم منه وأمتلك المكتب وحدي، أحضر كوب شاي بالحليب، وبعض قطع البسكويت، أفطر مع تعليقات قراء الجريدة، التي عادة لا أكترث بقراءة أخبارها، فقط  يكفيني العنوان لأخمن التفاصيل، أستمع بشغف ل(كانتاتا) "Carmina Burana" أضع السمعات علي أذنيٍّ، وأنفصل تماما عن العالم الخارجي ، فقط أنا..، شكاوى لا تنتهي، و"فركة كعب"* أحلامي الضائعة المنتهية فوق مكتب كئيب مثقل بتعليقات جنائزية، عويل وخطوط حمراء لا اجرأ علي تخطيها، وإلا شبح الفصل أو الخصم علي أقل التقديرات، وخيال الشعراء يصبح أسفلتًا ساخنًا يمر عليه واقع غرفتي المغلقة بإحكام ولكن لا أجد بالخارج مفتاحًا ما، أو صغيرة تستطيع الوثب لتحريري.  
_________________________________________


- *عنوان ديواني الأول.
- رابط لسماع كارمينا بورانا http://www.youtube.com/watch?v=QEllLECo4OM

الأربعاء، 25 يناير 2012

زي كل الناس


"زي كل الناس"

فوق الورق
أحب أتعري بشياكة
أفك أزرار الحكاية بخفة
أزحف علي مشاعري
وأدغدغ ممكنات الحلم
يمكن الرعب اللي سكناه من زمن ..
يندهش ويخاف


إيقاع اليوم سريع
يتسابق
مع احتياجاتي اللي مابتخلصش
كل لحظة تكنولوجيا جديدة
تكسب الحياة تعقيد
تعقيد
يستهلك ملامحي
في لعبة البنت الجميلة
باستقامة القامة اللي تبرز تفاصيل الجمال
في اتجاهين متعاكسين
يحولني
سكن فاضي..
متاح..
منهك..
غريب عني
يتكلف لحصد إعجاب الجميع
بيني وبين نفسي
سر الحياة في نفس خارج يمكن ميرجعش
ماليش حيلة أذكي من قبول نفسي
بعنين يدوب تلمح زوايا ضعفها
تبص تاني علي الحقيقة
جميلة
بكتف محني ِسنّة..
تسمح لأفكارها ترتاح من السبق